منتدى السادة المالكية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى السادة المالكية

يعنى بتأصيل الطلبة عقيدة و شريعة و سلوكا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رد العلامة محمد مفتاح على أحمد بن يحيى النجمي في مسائل في التصوف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
خادم المذهب




عدد المساهمات : 45
نقاط : 110
تاريخ التسجيل : 10/11/2009

رد العلامة محمد مفتاح على أحمد بن يحيى النجمي في مسائل في التصوف Empty
مُساهمةموضوع: رد العلامة محمد مفتاح على أحمد بن يحيى النجمي في مسائل في التصوف   رد العلامة محمد مفتاح على أحمد بن يحيى النجمي في مسائل في التصوف Icon_minitimeالثلاثاء يناير 26 2010, 10:36

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين

الحمد لله القائل:  يَــأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا 
وصلى الله على النبي القائل فيما يرويه عن ربه: « من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه, فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يُبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها...الحديث » أخرجه البخاري.
والرضى عن أصحابه أجمعين وعن آله الطاهرين وعَمَّنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين,
وبعد: فقد اطَّلعتُ على المقال الذي كتبه أحمد بن يحي النجْميُّ ونُشر في مُلحق جريدة المدينة "الرسالة" العدد 15409 الصادر بتاريخ 24 جمادى الأولى 1426 هـ, وقد لَفَتَ نظري ما فيه من التَّحَامُلِ على التَّصوُّفِ وأهله, وكان هدفُه منه الانتصار للدكتور ربيع المدخلي الذي تجرَّأَ على إخراج أهل التَّصوُّفِ من دائرة أهل السُّنَّة والجماعة.
وإذا بمقاله الهزيل ينطوي على سبع نقاط:
أولها: تهجُّمه على أهل التَّصوُّفِ عمومًا.
ثانيها: سوءُ أدبه مع الله تبارك وتعالى.
ثالثها: اعتراضُه على ما نَدَبَ إليه الشَّرعُ من كثرة عبادة الله تعالى.
رابعها: خَلْطُهُ بين مصطلح الفناء وبين وحدة الوجود والحلول والاتحاد.
خامسها: استعمالُه لكلام الفُحش والبَذاءِ وعدم تمشِّيه مع المنهجية العلمية.
سادسها: تكفيره لتسعة أعشار الأمَّةِ الإسلامية بأوهى الأدلَّة.
سابعها: تهجُّمُه وتَجَنِّيهِ على الشيخ عمر الفوتي وعلى الشيخ التجاني رضي الله عنه.
ونحن بعون الله نرُدُّ على هذا المقال بِتَتَبُّعه نقطةً نقطةً.

أولا : تهجُّمه على التَّصوُّفِ وأهله : وحسبنا ردًّا عليه:
1- شهادة التاريخ لأَئمَّةِ الصُّوفية وأتْباعهم أنَّهم بذلوا في سبيل الحصول على مقام الإحسان ما لم يبذله غيرُهم من جميع الطَّوائفِ الإسلاميةِ.
2- لَمْ يَقُمُ بوظيفة التزكية التي هي من وظائف النبي  حقَّ القيام من بعد الرعيل الأول إلا مشائخُ الصُّوفية رضي الله عنهم.
3- قول الحافظ الذهبي في سِيَّرِ أعلام النُّبَلاء 10/410 بعد كلام ما لفظه: فإنَّما التَّصوُّفُ والتألُُّهُ والسُّلوكُ والسَّيرُ والمحبَّةُ ما جاء عن أصحاب محمد  من رِضًا عن الله ولزوم تقوى الله والجهاد في سبيل الله وتأدُّبٍ بآدابِ الشريعة من تلاوةٍ بترْتيلٍ وتدبُّرٍ والقيامِ في خشيةٍ وخُشوعٍ وصومِ وقتٍ وإفطارِ وقتٍ وبذلِ المعروفِ وكثرةِ الإيثارِ وتعليمِ العلومِ والتَّواضُعِ للمؤمنين والتَّعزُّزِ على الكافرين, ومع هذا فالله يهدي من يشاء, والعالم إذا عري من التصوُّفِ والتَّأَلُّهِ فهو فارغٌ, كما أنَّ الصوفيَّ إذا عري من علم السُّنَّة زلَّ عن سَواءِ السَّبيلِ, هذه عبارته.
قلت: فهذا هو التَّصوُّفُ عند الذهبيِّ, وقد جعل العالمَ الذي لم يتصوَّف فارغًا فلينظر النَّجْميُّ ـ ومن هم على شاكلته ـ هل يصير الذهبيُّ بهذا الكلام خارجًا على مذهب أهل السنة؟.
ثانيا: سوء أدب النَّجْميِّ مع الله تبارك وتعالى:
وذلك حيث قال في وسط مقاله ما نصُّه: وأقول إنَّ الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثمَّ استوى على العرش وأنَّه في حال استواءه يعلم ما يلج في الأرض.....إلخ.
قلت: وهذا الكلام فيه سوءُ أدبٍ مع الله من وجهين:
1.- نسبتُه لِلَفْظِ الحال إلى الله تبارك وتعالى ولا نعلمُ أحدًا من أهل السُّنَّة وصف الله تعالى بأنَّّهُ تعتريه الأحوالُ العرَضيَّةُ.
2.- ربطُه بين علم الله تعالى القديم وبين ما عبَّر عنه بحال الاستواء على العرش ومعلوم أنَّ العرش مخلوقٌ مربوبٌ حادثٌ بنصِّ القرآن والسُّنة. فليت شعري هل كان الله تعالى ـ في نظرالنَّجْميِّ ـ متَّصفًا بعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها قبل خلق العرش أم لا؟.
ثالثا: اعتراضُه على ما نَدَبَ إليه الشرعُ من كثرة عبادة الله:
وقد احتجَّ بما فهم من حديث الشيخين « والله إنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكنِّّي أصوم وأفطر وأصلِّي وأرقد....الحديث»
وبما فهمه من حديثهما أيضًا عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد فدخل علي رسول الله  فقال:« من هذه؟» قلت فلانةٌ لا تنام من الليل تذكر من صلاتها فقال: «مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإنَّ الله لا يملُّ حتَّى تملُّوا ».
والردُّ على ما فهمه من هذين الحديثين أنَّهما تضمَّنا ذمًّا لكثرة العبادة من وجهين.
أحدهما: أنَّ الصَّومَ والفِطرَ والصَّلاةَ من الليل والرُّقادَ والزِّواجَ لمن استطاعه وتركه لمن لم يستطع الباءة كلُّها عباداتٌ لله تعالى بدليل قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ  سورة الأنعام الآية 164 -165.
ثانيها: أنَّ الحديثين لم يتضمنا النَّهْيَ عن الإكثار من التَّعبُّد وما لم يُنْهَ عنه شرعًا لا يكون مذمومًا ولا سَيِّئًا فأحرى أن يكون أسوأ, ولذلك فقد ربَطَ الحديثُ الثاني صلاة اللَّيل بالطَّاقة والقُدرةِ على الدَّوامِ ليلاَّ يقع الملَلُ.
وكيف يكون قيامُ اللَّيْلِ والإكثارُ من التَّعبُّد مذمومًا والله تعالى يقول  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  السجدة الآية 16 .
ويقول في معرض مدح عباد الرحمن  وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا  الفرقان الآية64.
ويقول  يـَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا  الأحزاب الآية 42.
فالحمد لله الذي جعل الشريعةَ أوسعَ من فهم النجمي وفهم أضرابه.
رابعا: خَلْطُهُ بين مصطلح الفناء وبين وحدة الوجود والاتحاد والحلول:
والرد عليه ما يلي:
أنَّهُ يُرجَعُ إلى أهل كلِّ فنٍّ في مصطلحا تهم ، وأن مصطلح الفناء عند الصُّوفيةِ لا يَمُتُّ بصلة إلى وحدة الوجود والاتحاد بمعناها الفلسفي الكفري, ولازمُ تَرادُفهما الذي يُصِرُّ عليه النَّجْميُّ وأضرابُه أن يكون القائلون بالفناء دجَّالين مُفترينَ كافرينَ بالله كفرًا أشدَّ من كفر فرعون وهامان وأبي جهل وأُبَيٍّ بنِ خلفٍ وأعظم كفرًا من جميع الكفَرَةِ الذين حاربوا الرُّسُلَ كما صرَّح بذلك النَّجْميُّ في مقاله.
ولم يعلم النجميُّ بأنَّ مِمَّن قال بالفناء وقعَّدَ لهُ وقرَّبهُ شيخُ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله الأنصاري الهَرَويُّ الصُّوفيُّ وسلَّمه له الذهبيُّ في تذكرة الحفاظ ودافع عنه، وشرح كتابه ابنُ القيِّم بمد ارج السالكين, وأقرَّ هو أيضًا الفناءَ ودافع عنهُ وكذا فعل ابنُ تيمية في فتاويه وإليكم نصوصهم في ذلك:
1- قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل في كتابه منازل السائرين ص 128 "ط/دار الكتب العلمية " مانصُّه: الفناءُ في هذا الباب اضمحلالُ ما دون الحقِّ عِلمًا، ثمَّ جَحْدًا, ثمَّ حَقًّا, وهو على ثلاثِ درجاتٍ: الدَّرجةُ الأُولَى: فناءُ المعرفة في المعروف وهو الفناءُ عِلْمًا.
وفناء العِيَّانِ في المُعايَنِ وهو الفناءُ جَحْدًا.
وفناء الطَّلَبِ في الوجود, وهو الفناءُ حَقًّا. إلى أن قال : والدَّرجةُ الثَّالثةُ: الفناء عند شهود الفناء، وهو الفناء حقًّا، شائمًا برق العين ، راكبًا بحر الجمع.
وقال في باب التَّوحيد الذي ختم به منازلَ السائرين ما نصه:
والتَّوْحيدُ على ثلاثة وجوه: الوجهُ الأولُ توحيد العامَّةِ الذي يَصِحُّ بالشَّواهد.
والوجهُ الثاني توحيدُ الخاصَّةِ وهو الذي يَثبُتُ بالحقائق.
والوجهُ الثالثُ: توحيدٌ قائمٌ بالقِدَمِ وهو توحيدُ خاصَّةِ الخاصَّةِ.
فأما التَّوحيدُ الأوَّلُ فهو شهادةُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحدُ الصَّمَدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، هذا التَّوحيدُ الظَّاهِرُ الجَلِيِّ الذي نفى الشِّرْكَ الأَعْظَم.
وعليه نُصِبَت القِبْلَةُ، وبه وجبت الذِّمَّةُ وبه حُقِنَت الدِّماءُ والأَموالُ، وانْفَصَلَتْ دارُ الإسلام عن دار الكفر وصَحَّتْ به المِلَّةُ لِلْعامَّةِ، وإن لم يَقُومُوا بحقِّ الاستدلال بعد أنْ سَلِموا من الشُّبْهَةِ والحَيْرَةِ والرِّيبةِ بصدقِ شهادةٍ صحَّحها قبولُ القلب,هذا توحيد العامَّةِ الذي يَصِحُّ بالشَّواهِدِ, والشَّواهِدُ هِيَّ: الرِّسالةُ ، والصَّنائعُ، يجب بالسمع ويوجد بتبصير الحقِّ، ويَنْموا على مُشاهَدَةِ الشَّوَاهِدِ.
وأمَّا التَّوحيدُ الثاني, الذي يَثْبُتُ بالحقائق: فهو توحيدُ الخاصَّة... إلى أن قال هذا توحيدُ الخاصَّةِ الذي يصِحُّ بعِلْمِ الفناء، ويصْفُو في عِلْمِ الجَمْعِ ويَجْذِبُ إلى توحيد أرباب الجَمْعِ.
وأمَّا التَّوحيدُ الثَّالثُ: فهو توحيدٌ اختصَّه الحقُّ لنفسه، واستحقَّه بقَدْرِهِ وَأَلاَحَ مِنْهُ لاَئِحًا إلى أسرار طائفةٍ من صَفْوَتِهِ، وأَخْرَسَهُمْ عن نعْتِهِ، وأَعْجَزَهُمْ عن بَثِّهِ، والذي يُشَارُ به إليه على ألسنة المُشيرينَ: أنَّهُ إسْقَاطُ الحَدثِ ، وإثْبَاتِ الْقِدَمِ، على أنَّ الرَّمْزَ في ذلك التَّوحيدِ عِلَّةٌلا يَصِحُّ ذلك التَّوحيدُ إلاَّ بإسقاطها,
هذا قُطْبُ الإشارة إليه على أَلْسِنَةِ علماء الطَّريقِ، وإن زَخْرَفُوا له نُعوتًا وفصَّلوهُ فصولا، فإن ذلك التَّوحيدُ تزيدهُ العبارةُ خَفاءً، والصِّفَةُ نُفورًا، والبسْطُ صُعُوبَةً.
وإلى هذا التَّوحيد شَخَصَ أهلُ الرِّيَّاضَةِ وأربابُ الأحوالِ، وله قصَدَ أهلُ التَّعظيم، وإيَّاهُ عَنِىَّ المتكلمون في عين الجَمْعِ وعليه تَصْطَلِمُ الإشاراتُ. ثم لم يَنطِقْ عنه لسانٌ، ولم تُشِرْ إليه عبارةٌ، فإن التَّوحيدَ وراء ما يُشيرُ إليه مُكوّن، أو يتعاطاهُ حينٌ، أو يُقِلُّه سببٌ.
وقد أجبتُ في سالف الزمان سائلاً سألني عن توحيد الصُّوفية بهذه القوافي الثَّلاثِ:
ما وحَّد الواحد من واحد
توحيد من ينطق عن نعته
توحيده إياه توحيده
هذه عبارته. إذ كل من وحَّده جاحد
عارية أبطلها الواحد
ونعت من ينعته لاحد



قلت: فليتأمل النجميُّ وأضرابُه ممّن لم يميِّزْ بين الفناء وبين وحدة الوجود والاتحاد والحلول كلام شيخ الإسلام هذا، فهل صار به كافرًا كفرًا أشد من كفر جميع الكفرة ؟, أم سيلتمسون له الأعذار كما فعل الذهبيُّ- رحمه الله – في تذكرة الحُفَّاظِ.
2- قال الإمامُ الذهبيُّ في تذكرة الحفاظ 3/249 بعد أن أثنى على شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري هذا ثناءً طويلاً ووصفه بأنّه من دعاة السنة وعصبة آثار السلف, وبعد أن ذكر كتابه منازل السائرين مسلِّمًا له، قال ما نصُّه: ولا رَيبَ أنَّ في منازل السائرين أشياء من محط المحو والفناء, وأن مُرادَهُ بذلك الفناء الغيبةُ عن شُهود السِّوي ولم يُردْ عَدَمَ السِّوي في الخارج . هذه عبارته .
قلت: فهذا الذهبيُّ- مع تشدُّده – قد تقبَّل الفناءَ, والتمسَ له تفسيرَ أهلِه له، فهل دخل الذهبيُّ أيضًا في دائرة من هم أشدُّ كفرًا من جميع الكفَرةِ عند النجميِّ وأضرابه؟ أم علموا الآن أن بين مصطلح الفناء وبين وحدة الوجود والاتحاد والحلول بونًا شاسعًا.
3- قال ابن القيم في مدارج السالكين 2/552 ما لفظه: وأمّا طُمأنينة الجمع إلى البقاء فمشهد شريف فاضل وهو مشهد الكُمَّل فإنّ حضرة الجمع تعفي الآثار وتمحو الأغيار وتحول بين الشاهد وبين رؤية القلب للخلق فيرى الحق سبحانه وحده قائما بذاته ويرى كل شيء قائما به متوحِّدًا في كثرة أسمائه وأفعاله ولا يرى معه غيره ولا يشهده.
قلت: فهاهو ابنُ القيم قد أيَّد الفناءَ والتمس العذر لأهله بل وصفه بأنّه مشهدٌ شريفٌ فاضلٌ، وأنه مشهد الكُمَّل, وكذلك فعل في سائر كتابه مدارج السالكين فكلما استغلقت عليه عبارة من منازل السائرين التمس لمؤلفه الأعذار, فلم يكَفِّرْهُ قطُّ, ولم يُبدِّعهُ, ولا قال مرةً إنه أكفر من جميع الكفرة.
ونُلفتُ انتباهَ النَّجْميِّ وأضرابه إلى قول ابن القيم: فيرى الحقَّ سبحانه وحده قائمًا بذاته, ويرى كلَّ شيءٍ قائمًا به متوحِّدًا في كثرة أسمائه وأفعاله وصفاته ولا يرى معه غيرَه ولا يشهده.
فقد احتوت هذه الجملة على:
• فيرى الحق سبحانه وحده: فهل في هذا قولٌ من ابن القيِّم بإمكان رؤية الله تعالى في دار الدنيا؟.
• ويرى كلَّ شيء قائمًا به متوحِّدًا في كثرة أسمائه... إلخ: فهل في هذا القول ما يشير إلى الحلول والاتحاد؟.
• ولا يرى معه غيرَه ولا يشهده: فهل في هذا القول انعدامُ السِّوَى بالفعل؟.
جواب هذه الأسئلة عندنا واضحٌ، لكن جوابها عند النجمي وأضرابه لا نأمن أن يكون شطَطًا في حق ابن القيِّم وزَجًّا به في دائرة من هم أكفرُ من جميع الكفَرة ومن هم بعيدون كل البعد من مذهب أهل السنة.
4- وقال في مدارج السالكين أيضا 1/155 بعد كلام ما لفظه: ولكن في حال السُّكْر والمَحْوِ والاصْطِلاَمِ والفناء قد يغيب عن التمييز، وفي هذا الحال قد يقول صاحبُها ما يُحكي عن أبي يزيد أنه قال: سبحاني أو ما في الجبة إلا الله ونحو ذلك من الكلمات التي لو صدرت من قائلها وعقلُه معه لكان كافرًا، ولكنه مع سقوط التمييز والشُّعور قد يرتفع عنه قلمُ المؤاخذة.
قلت: وهذا الكلام أشدُّ من سابقه ونطرح فيه نفس الاستشكال الذي طرحناه في التعليق على كلامه المتقدم.
5- وقال ابن تيمية في فتاويه 10/220 ما لفظه: والمشائخ الصالحون رضي الله عنهم يذكرون شيئا من تجريد التوحيد، وإخلاص الدين كلِّه، بحيث لا يكون العبد ملتفتا إلى غير الله ولا ناظرا إلى ما سواه لا حبا له ولا خوفا منه ولا رجاء له، بل يكون القلب فارغا من المخلوقات، خاليا منها، لا ينظر إليها إلا بنور الله، فبالحق يسمع وبالحق يبصر وبالحق يبطش، وبالحق يمشي. قال: وهذا هو القلب السليم الموحِّدُ المسْلم المؤمن العارف المحقق، الموحِّدُ بمعرفة الأنبياء والمرسلين، وبحقيقتهم، وتوحيدهم.
6- وقال ابن تيمية أيضافي فتاويه 2/401 ما نصه: وإذا قال قائلٌ ما رأيتُ شيئًا إلا ورأيت الله قبله لأنه ربه والربُّ مقدَّمٌ على العبد أو رأيتُ الله بعده لأنه آيتُه ودليلُه وشاهدُه والعلم بالمدلولات بعد الدليل، أو رأيت الله فيه بمعنى ظهور آثار الصانع في صنعته فهذا صحيح، بل القرآن كله يبين هذا ويدل عليه وهو دين المسلمين وسبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، والصالحين وهو اعتقاد المسلمين أهل السنة والجماعة.
قلت: فانظر أيها النَّجْميُّ وأضرابك أقوالَ الأنصاريِّ والذهبيِّ وابنِ القيِّم وابنِ تيمية السالفة الذكر عن الفناء وما مدحوه به وما دافعوا به عنه، فهل يُحمل كلامُهم عندكم على القول بوحدة الوجود والحلول والاتحاد؟, أم حاشاهم من ذلك؟, وهل ما صرحوا به في الفناء صحيح إذ هم القائلون به وفاسد إذا قال به غيرهم؟, وهل هو كلام شرك وكفر وإلحاد وزندقة وابتداع وتخريف سواء صدر من هؤلاء المشايخ أو صدر من غيرهم؟.  يـَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى .
أم هل خرج أولئك المشايخ بكلامهم ذلك في الفناء عن مذهب أهل السنة والجماعة كما يصرُّ النَّجْميُّ وأضرابُه على خروج أهل التصوف عن جادتهم بنفس الكلام؟, أم هل اختلت عند النَّجْميِّ وأضرابِِه الموازينُ فصاروا يَكيلُونَ نَفْسَ العباراتِ بمِكيالينِ؟.
خامسا: استعمالُه لكلام الفُحش والبَذاءِ في مقاله الهزيلِ، وعدَم تمشِّيهِ مع المنهجيَّةِ العلميَّةِ:
1- فأمَّا الفُحشُ والبَذاءُ فيتجلَّى في العباراتِ التَّاليَّةِ:
*من سيءٍ إلى أسوء, *غانيةٌ هَلوكٌ, *الادِّعاءاتُ العريضةُ,
*كفرٌ, *قٌبُلاتٌ دَنِسَةٌ, *ادِّعاءاتٌ باطلةٌ ,
*زندقةٌ, * خطيئةٌ, كل عربيدٍ, *ممزوجٌ بالشرك والبدع,
*القولُ السيئُ, * المتناهي في الخُبْثِ, *الجنونُ,
*دجَّالٌ, * الهوَسُ, *كذَّابٌ,
*السِّحرُ الصوفيُّ, *مفترٍ, *زُعاقُهَا,
*كافرٌ بالله, *روحُه المُظْلِمُُ, *كفرُ فرعونَ,
*شيطانٌ, كفرٌ, ماردٌ, *كفرُ جميع الكَفَرَةِ, *شِركٌ يَعصِفُ بالرَّمَقِ الشَّاحِبِ.
*الشِّركُ الصَّريحُ *الأساطيرُ المجوسِيَّةُ *كَذِبٌ مكشوفٌ
*نزواتُ هواي *الغُلوُّ المَمْقوتُ *كاهنُ الصُّوفيَّةِ
*الافتراءاتُ *طاغوتُ الصُّوفيَّةِ.
قلت: وقد قيل قديما كل إناء بالذي فيه يرشح. كما قيل:
كل كلام بارز عليه
كسوة قلب من نمى إليه

لكن رسول الله  لم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: " أتى نفر من اليهود النبي ، فقالوا: السام عليكم. قالت عائشة: عليكم ولعنة الله وغضب الله عليكم قال: « مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش...الحديث»
وأخرج البخاري عن أنس  قال: " لم يكن النبيُّ  سبَّابًا ولا فحَّاشًا ولا لعَّانًا ...الحديث"
قلت: فأين النجمي من حسن أخلاق رسول الله  ورفقه وتركه للعنف والفُحش والبَذَاءِ حتى مع اليهود ألدِّ أعداء الله تعالى.  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ .
2- وأما عدم تمشيه مع المنهجية العلمية فيبرز في:
أ‌- عدم عزو النُّصوص كما فعل مع الأبيات التي في صدر مقاله ومع الحديث الذي يليها.
ب‌- عزوه لكتاب "هذه هي الصوفية " ونأخذ عليه أنّ ما نقل منه من قبيل القِصَصِ الخياليةِ, والمقالاتِ, الماجنةِ وكلاهما بعيدٌ كل البعد عن المنهج العلمي الرصين, كما نأخذ عليه أنَّّه احتجاجٌ على الخصم بكلام خصمه مُجَرَّدًا عن مُعَضِّدٍ من غير كلام الخصمين من الدليل الشرعي.
ج- التناقض: ويتجلى في:
*- قوله بأن أول التصوفَ كان قريبًا من السنة والاعتدال إلى عصر الجنيد وبشر الحافي، ثمَّ نكوصُه عن هذا القول إلى قوله الثاني الذي حصر فيه ما يرتضيه هو من التصوف في أهل القرن الثاني, فهل نشأ هذا التناقض عن عدم خبرته بالتاريخ؟, أم عدم اهتمامه بمنهج الكتابة العلمية؟, أم عن استهزاءه بعقول القُرَّاء؟.
*- تَقبُّلُهُ لصوفية أهل القرن الثاني واعترافه بقرب أوله من السنة والاعتدال، ثم نقضه لذلك بقوله إلا أنه قد تطور التصوف من سيئ إلى أسوأ! فهل القرب من السنة والاعتدال عنده منهج سيئ؟.
*- قوله في بداية مقاله: " إلا أنه قد تطور التصوف من سيئ إلى أسوأ وبَعُدَ عن السنة بُعدًا عظيمًا، فنشأ عن ذلك ما يسمى بالفناء وما يسمى بالمحو والسُّكر والغيبة والطَّيِّ والحضور بالحق والجلوة والإحسان ....إلخ" ومحل التناقض أن النَّجْميَّ يزعُمُ أنه ينتصر لمذهب أهل السنة والجماعة ومع ذلك يعد الإحسان من المسميات التي بعدت بعدا شديدا عن السنة، والواقع أنَّ الإحسان أشرف مقامات الدين الثلاثة ( الإسلام، والإيمان ، والإحسان) كما وردت في حديث عمر الذي أخرجه مسلم، وحديث أبي هريرة الذي اتفق عليه الشيخان. فأين كان عقل هذا النجمي حين صدر منه ذلك؟,
ثمّ إنّ المقال مليءٌ بالتناقضات فلا نطيل على القراء بتتبّعها، بل نقتصر على ما تضمّنته الصفحة الأولى من مقاله فقط.
من لم يكن خلف الدليل ميسرا
يمشي المصرف حيث ساء وغيره
كثرت عليه طرائق الأوهام
يمشي بحكم الحجر مشي مصفد

سادسا: تكفيره لغالبية الأمة الإسلامية بأوهى الأدلة:
ويبدوا أنَّ النَّجْميَّ لم تُثْنِهِ دعواه الانتساب لمذهب أهل السنة والجماعة ولا دعواه امتلاك سلطان الإدخال فيه والإخراج منه عن ترك التَّأدُّب بآداب الكتاب والسنة، الزاجرة عن الوُلُوغِ في الأعراض والحُكم بالهوى! فقد استنبط من بيت واحد من شعر رجل واحد ما كَّفَّرَ به جميع أهل التصوف، وهم تسعة أعشار الأمة المحمدية! فقال – معلقا على قول القائل:
وفي السر أسرار دِقاقٌ لطيفةٌ تُراقُ دِمانَا جَهْرَةً لو بها بُحْنَا

ما لفظه: معنى هذا البيت أنهم يُبَطِّنون كلماتهم بمعان هي تُعتبر عند أهل الشريعة كفرًا وزندقةً، لو أظهروها لأبيحت دماؤهم.
قلت: فكيف يكون ظن النجمي بأبي هريرة  لو اطلع على قوله:" حفظت عن رسول الله  جرابَيْ علمٍ: أمّا أحدهما فبثثتُه لكم، وأما الآخر فلو بثثتُه قطع هذا البلعوم " ؟ أخرجه البخاري في الصحيح.
فأيّ طامَّة سوف يرمي بها أبا هريرة لعدم بثِّه للعلم الذي يخشى إن بثَّه من القتل؟,
أفلم يكن أبو هريرة يخشى أن يُسفك دمُه ظُلمًا من غير جُرمٍ أتاه، إلا قولُ الحقِّ؟,
أما استطاع النَّجْميُّ أن يحمل سبب خشية الإراقة من قائل البيت على أمر خارج عن السرِّ المذكور، كخشية جور حاكم ذي بطش، أو خشية قصور أفهام بعض الناس عن المعنى المكتوم؟ كما في حديث البخاري عن علي موقوفا: "حدِّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكَذَّبَ اللهُ ورسولُه؟,"
وكيف اهتدى النَّجْميُّ إلى أن المقصود من السر المكتوم هو ما كفَّر به أهل التَّصوُّف؟, أهو وحيٌ أوحي إليه؟, أم كشفٌ للسر تلقاه من قائل البيت؟.
بل هي طامة التَّكفير، وهي شنشنة نعرفها من أضراب هذا الرجل، قد استحلوا بها دماء أهل دار الإسلام وأعراضهم وأموالهم متذرِّعين لها بما تذرَّع به الخوارجُ قديمًا من التَّكفير بارتكاب الكبائر، فكفَّروا الحاكم ثمَّ كفَّّروا من والاهُ ثمَّ سلُّوا سُيوف البغْيِ والعدوان على أهل الشهادتين, وعلى أهل ذمَّتهم كما يفعل أخلافُهم اليوم في نواح شتَّى من العالم الإسلامي كأندنوسيا والرياض والدار البيضاء وشمال ووسط موريتانيا وغيرها.
ولم يلتفتوا إلى قوله : « لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» متّفق عليه.
قلت: وهذا الإخبار النبويُّ فيمن كفَّر مسلمًا واحدًا، فكيف بمن كفَّر تسعةَ أعشار الأَُّمَّةِ الإسلامية؟ فهل الطَّلَع النَّجْميُّ ومن هم على مذهبه في التكفير على كلِّ فردٍ ممَّن كفَّروا من الأمَّة الإسلامية سلفًا وخلفًا، حيًّا وميِّتًا، قاصيًّا ودانيًّا، معروفًا لديهم أومجهولاً؟ أم هل أحاطوا علمًا بخواتيم أعمالهم، ودرجاتِ إخلاصهم، وما أعدَّ اللهُ لهم في سابق أزله؟, هذا مع العلم بأنَّ كُلَّما تذرَّعُوا به ممَّا اطلعوا عليه في كتب القوم نجزمُ بأنَّّه لا يعدم محملاً صحيحًا يُحمَلُ عليه عند المُنصفِ.
وأقرب مثال على ذلك البيت السابق الذي تذرع به النجمي.
سابعا: تهجمه على الشيخ الإمام المجاهد العالم العلامة عمر بن سعيد الفوتي:
والجواب عنه من وجوه:
أولها: أنّ ما عزاه للبحث المختصر الذي قامت به لجنة البحوث والإفتاء لنا عليه المآخذ التالية:
1- أنَّ تعامل اللجنة مع النصوص التي ابتسرت من جواهر المعاني وكتاب الرماح ينقُصُه – في نظرنا- الاستناد إلى نُصوصِ الشَّرْعِ المتنزلةِ على الأحكام التي تُصدرها.
2- أنَّّها نُصوصٌ مقطوعة الرأس ومبتورة ممَّا يليها وذلك من أدعى دواعي غموض النصوص.
3- أنَّه يوجد في كتاب الجواهر والرماح ما يشفي غليل المنصف ممَّا يشكل عليه منها. وربما أوقع اللجنة في هذه المآخذ ما قصدته من شدة الاختصار والإكثار من النصوص المنتقدة في نظرها.
ثانيها: أنَّ ما أخذت على الشيخ عمر من تَحْلِيَّتِهِ لشيخه أمرٌ جرى به عُرْفُ المترجمين. فلا تجد كتابا في الطبقات أو السير أو الأعلام إلا وتنتشر فيه ألفاظ هي مثل أو أشد ممَّا استندت إليه اللَّجنةُ في فتواها وذلك نحو، شيخ الإسلام، حافظ الدُّنيا، جلال الدين، شمس الدين، تقي الدين تاج الدين، عماد الدين، خاتمة المحققين، حجَّة الإسلام، أمير المؤمنين في الحديث، قدوة أهل الرسوخ ، عمدة أهل التحقيق، قاضي القضاة، سلطان العلماء، إمام العارفين، إمام أهل السنة... إلى غير ذلك مما لا يجهله أي متمرِّس بهذه الكتب ولم نر أحدا ألزم من أطلقها بالشرك أو الكفر ولا بأنَّه يقصد تفضيل المُحلَّى بها على النبي  أو أحد من الصحابة.
والشيخُ التجانيُّ رضي الله عنه قد ترجم له جمعٌ من العلماء من غير أَتْبَاعِهِ حَلاَّهُ كلٌّ منهم بأوصاف جليلة منهم:
- الشيخ محمد ظافر المدني في كتابه: "اليواقيت الثمينة في أعيان مذهب عالم المدينة".
- سيدي جعفر بن إدريس الكتاني في كتابه: "الشرب المحتضر والسر المنتظر من معين أهل القرن الثالث عشر.
- الشيخ محمد مخلوف التونسي في "شجرة النور الزكية في طبقات المالكية".
- العلامة مؤرخ المغرب أحمد الناصري السلاوي في محال من كتابه "الاستقصاء".
- العلامة حمدون بن الحاج كما في كتاب ولده "الإشراف ".
• - وهذا العالم الأثري والفقيه الألمعي الفاسي ثم المدني الشريف الحسني: محمد بن جعفر الكتاني يُحَلِّيهِ في كتابه " سلوة الأنفاس وحادثة الأكياس في من أُقْبِرَ من العلماء والصالحين بفاس" بما لفظه: ومنهم الشيخ الواصل والقدوة الكامل والطود الشامخ والعارف الراسخ جبل السنة والدين وعلم المتّقين والمهتدين العلاّمة الدرّاكة المشارك الفهّامة الجامع بين الشريعة والحقيقة الفائض النور والبركات على سائر الخليقة الواضح الآيات والأسرار ومعدن الجود والافتخار البحر الزاخر الطامي المصرف بخصوصيته بين الخاصّ والعامّ نادرة الزمان ومصباح الأوان القطب الجامع والغوث النافع: أبو العباس مولانا أحمد بن الولي الكبير والعالم النحرير أبي عبد الله مَحَمَّدْ - فتحا- بن المختار بن أحمد بن مَحَمَّدْ – فتحًا – بن سالم الشريف الحسني الكامل التجاني يرفع نسبه إلى الإمام محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل، كان رحمه الله من العلماء العاملين، والأئمة المهتدين، ممن جمع بين شرف الجرثومة والدين، وشرف العلم والعمل واليقين، والأحوال الربانية الشريفة، والمقامات العلية، والخوارق العظام، والكرامات الجسام، قوي الظاهر والباطن، كامل الأنوار والمحاسن، عالي المقام، راسخ التمكين والمرام بهي المنظر، جميل المظهر، منور الشيبة، عظيم الهيبة، جليل القدر، شهير الذكر، ذا صيت بعيد، وعلم وحال مفيد، وكلمة نافذة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عائدة ....إلى آخر كلامه.
قلت: فأنت ترى أنَّ تَحْلِيَّةَ الشيخ التجاني بهذه الأوصاف غير خاصة بالشيخ عمر.
ثالثها: أن الشيخ عمر قد أجاب عن الاعتراضين اللذين نقلتهما اللجنة عنه فلم تلتفت إلى جوابه القيم الشافي عنهما وحاصله أن للكلام وجهين صحيحين:
أحدهما: أنه من باب تعريف العالم بحاله لمن جهله، وهذا أمر محمود ثم ذكرما يدل عليه من الكتاب والسنة.
الثاني: أنه من باب التحدُّث بنعمة الله تعالى شكرًا وهو أمرٌ مطلوبٌ شرعًا ثمَّ ذكر أدلَّةَ هذا الوجه من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف الصالح. ثمَّ بيَّن أنَّ التَّعميمَ الذي في كلام الشيخ التجاني من باب العامِّ المراد به الخصوص الموكول تخصيصه إلى العقل، ونقل عن السيوطي في الصواعق على النواعق أمثلةً كثيرةً له من القرآن والسنة وكلام الصحابة والسلف، ثمَّ نقل من كلام صاحب الجواهر ما يبين بجلاءٍ أنَّ الصحابةَ غيرُ داخلين في هذا العموم.
ويلتحق بما ردَّ به الشيخُ عمر حديثُ ابن حبان في صحيحه عن أنس، وابن ماجه عن أنس وأبي أمامة مرفوعا « إنّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنّ من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه». وفي رواية أبي نعيم في الحلية: « إنّ هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، ومفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعل الله ....الحديث».
قال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/291 ما لفظه: ويطلق المفتاح على ما كان محسوسًا مما يَحُلُّ غلقًا كالقفل، وعلى ما كان معنويًّا كما في الحديث : «إنَّ من الناس مفاتيح للخير» صححه بن حبان من حديث أنس.
قلت: فهذا الحديثُ دليلٌ صريحٌ على ما يوصله الله من المدد بواسطة من شاء من هؤلاء المفاتيح المذكورين, ولا شك أنّ الشيخ التجاني رضي الله عنه كان مفتاحًا للخير بدليل ما أوصله الله بواسطته من النفع العامِّ والخاصِّ إلى عباده في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا بشهادة العيَّان وليس بعد العيَّان بيانٌ, ولا ينفي ذلك إلا مُكابرٌ في المحسوس.
رابعها: أنه لا يضر الشيخ عمر تطاول بعضُ المعاصرين عليه اليوم ، بعد أن قضى شهيدًا مجاهدًا في سبيل الله مقبلاً غير مدبرٍ، مخلِّفًا وراءه ما بثَّ من العلم، وأقام من الرُّبَط، وأرسى من المساجد والمدارس، وهدى الله به إلى الإسلام أناساً من الوثنيين وغيرهم. إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا .الكهف، الآية30.
خامسها: أنّ قول اللجنة إنَّ هذه الكلمات ناطقةٌ بالشرك الصريح والكذب المكشوف....إلخ لنا عليه تعقيبات:
منها: أنّها لم تذكر لنا مستندها الشرعي في فتواها فنناقشه معها.
ومنها: أنَّ الشرك والكذب في حق المسلمين ولاسيما أئمتهم، عباراتٌ أعظمُ وأخطرُ من أن تُلقَى على عواهنها، وإذا كان أهلُ الحديث لا يقبلون الجرح إلا مفسَّرًا، فكيف يُقبُلُ التَّكفيرُ غير مفسر؟.
ومنها: أنَّ تلاقي الأرواح وأخذِ بعضها من بعض، بمن فيه الفاضل من المفضول، أمرٌ شائع في الشرع وواقعة الإسراء من أكبر شاهد عليه، وفي فتاوي ابن تيمية وكتب ابن القيم شيء غير قليلٍ من هذا الباب.
فَلِمَ لَمْ تحمل عليه اللَّجنةُ الكلام الذي أفتت بأنه شركٌ صريحٌ؟,
والواقع أنَّه ليس بشرك أصلاً لإمكان حمله على هذا الوجه فضلاً عن أن يكن شركًا صريحًا، وعليه فإن فُتْيَاهَا الفَارطَةُ لم تستكمل قبلها - في نظرنا - تَأَمُّلَ جميع وُجُوه النَّازِلَةِ، وبذلك لم تتصورها كُلَّ التَّصوُّر على حقيقتها ، والحكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّرِهِ.
سادسها: أنَّنا نُنًبِّهُ كُلَّ من يطلع على كلام يَسْتَشْكِلُهُ معزو إلى الشيخ التجاني رضي الله عنه أن الشيخ قال في كلمته المشهورة عنه " إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به وإن خالف فاتركوه."، وهذه القاعدة شبيهة بقولة الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي. ولو لم يصرح هذان الشيخان بكلمتيهما لكان معناهما مفهوما من أحوالهما وسيَّرِهِمَا, ولسانُ حال كُلِّ إمامٍ قائلٌ مقالتَهُمَا لكنَّهُمَا عضَّدَا لسانَ الحال بلسان المقال فنالا بذلك منقبةً عظيمةً.
ومن خلال هذه القاعدة التي وضع الشيخُ التجانيُّ رضي الله عنه يتبيَّنُ لكلِّ مُنصفٍ أنَّهُ بريءٌ من كل ما خالف الشريعة المطهرة، وأن ما يُعزى له ممَّا يخالفها كذبٌ واختلاقٌ عليه إمَّا من طريق الدَّسِّ وإمَّا من طريق فهمٍ لكلامه غير مستقيمٍ، وإمَّا من طريق تصرفٍ من النَّقَلة والنُّسَّاخِ أفسد مقصوده من كلامه.
وكتاب جواهر المعاني لم يكتبه الشيخُ بيده وليس كلَّ ما فيه عين اللفظ الذي صدر من الشيخ، بل غالب ما فيه – إن استثنينا رسائله- مرويٌّ بالمعنى، ومن أجل ذلك يكثر الخلاف بين هذا الكتاب وبين كتاب الجامع لمحمد المشري السُّباعيُّ في نفس الكلام المروي في نفس الموضوع.
سابعها: أنَّ تساؤل النجمي في مختم بحثه من أين لأحمد التجاني هذه الفيوضات... جوابه من وجوه:
منها: أن هذه الفيوضات من مدد الله المذكور في قوله تعالى  كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا  . الإسراء الآية 21-21
ومنها: أنه من باب قوله تعالى  قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ  آل عمران الآية 72-73 .
ثامنها: أنّ قول النجمي" فالرسول  لم يدع هذا....
جوابه أن فيه من سوء الأدب مع النبي  ما لا يخفى ، لأنه  لا يدعي  وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىإِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى  النجم الآية 3-4 . وما أفاض الله عليه لا يفي به الحصر ولا يستوعبه العقل ولا يلحق به فيه أي أحد من خلق الله تعالى. فإنه  مشكاة الهداية التي تفيض منها أنوار هذا الدين قال تعالى:  وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  الشورى الآية 49. وقال  إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا  الأحزاب الآية 46.
بل إن الفوز والنجاة اللذين هما أعظم ثمرات الدين لا ينالهما أحد إلا بشرط الإيمان به ونصره قال تعالى:  وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ  آل عمران الآية 80 .
فهذا العهد المأخوذ على كل نبي بالإيمان بالنبي ونصرته مأخوذ بواسطتهم على أممهم صلوات الله عليهم ولذلك فقد تضمنت الكتب السالفة الحض على الإيمان بالنبي  ونعتت صفته المعرفة به قال تعالى:  قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  المائدة الآية 17 -18.
فهذه ونحوها فيوضات عظيمة خص بها  لا يلحقه فيها نبي ولا ولي.
وقال تعالى  قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ  آل عمران الآية31.
وقال تعالى  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ  الأنبياء الآية 106.
وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي: أنّه  قال:« يا أيها الناس إنّما أنا رحمة مهداة». وبناء على ما تقدم فإنَّ الله تعالى أثبت وساطة النبي  في المدد لأنه هاد وسراج منير وحامل للنور والكتاب المبين الهادي المخرج من جميع الظلمات إلى النور وهو الذي لا تنفع محبة الله من دون إتباعه وهو الرحمة الشاملة للعالمين  وشرف وعظم.
تاسعها: أن قول النجمي: بل إنَّ التجانيَّ قد جعل نفسه أعظم من الرسول.... إلخ .
جوابه من وجهين:
أحدهما: أنَّه استدراك على اللجنة التي اعتمد على فتواها يوحي بانتقادٍ لها لأنَّها لم تستكمل جوانب التَّشْنِيعِ المطلوبِ عنده على الشيخ التجاني, والواقع أن هذا الذي اكتشفه يدور بين أمرين:
إمَّا أن تكون اللَّجنةُ قصَّرت في نظره, وإذًا فلا داعي لأن يعتمد فتواها وهي قاصرةٌ.
وإمّا أن تكون اللَّجنةُ قد استوفت أوجه الفُتْيَا في نظره, فتكون زيادتُه هذا الوجه من بعدها حشوًا لا نتيجة فيه.
ثانيهما: ما قدَّمناهُ من مُلخَّصِ ردِّ الشيخِ عمر بانصباب كلام الشيخ التجاني على العام المراد به الخصوص الموكول تخصيصُه إلى العقل ، ونزيد ما قدمناهُ بإحالة النجمي على تفسير ابن كثير عند الآيات التالية:
•  أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ  النساء الآية 53.
•  وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ  النمل الآية 23.
•  مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ  الذاريات الآية 42.
وأخيرًا فقد أستكملنا تتبع النقاط التي أردنا التعقيب عليها في مقال النجمي سامحه الله تعالى.
ونقترح في الختام أن يستديم هذا الحوار الهادف على صفحات هذا الملحق المبارك- إن شاء الله – ونتمنَّى أن لا ينغمس المتحاورون في مزالق العبارات النابية البذيئة فضلا عن التكفير والتبديع والتفسيق، ففي المنهج العلمي الرصين غُنْيةٌ لعلماء المسلمين عن مهاترات المتنابزين وهمزات اللامزين.
وقد كان بودنا أن لا يذكر النجميُّ كتُبًا لمؤلفين معادين للتصوف وبعض الطرق لأنَّ ذلك يلجئ محاورَهُ إلى الرَّدِّ عليه بكلام خصومه بغضِّ النظر عن إنصافهم وعدمه، كما يُلجِئُهُ إلى ذكر الكتب المهاجمة في باب العقيدة وبيان ذلك أنَّ لدينا أزيد من 200 كتاب تردُّ على ما نحسب أنَّهُ المذهبَ العقَديَّ للنَّجْمِيِّ ، وأضرابه, وبعضُها يحتوي على ما تحتويه بعض الكتب المهاجمة للتصوف من تفسيقٍ وتبديعٍ وتكفيرٍ وغير ذلك.
وأمَّا بخصوص الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التجانية فلدينا عدة كتب في الرَّدِّ عليه ومنهاـ سيفُ الأولياء في نحور الأغبياء ـ وهو من تأليفنا والحمد لله.
ثمَّ إنَّنا نرى أن الأولى تبيان ما يراه كلا الطرفين حقًّا لكن مع التَّأدُّب بالأدب النبوي والتحلِّي بالأخلاق الحسنة.
ونرجو في الأخير ألا يستجرَّنا مُحاورٌ إلى الخروج عن هذا المنهج الرصين حتى تصل بنا هذه المُساجلاتُ إلى ثمرةٍ طيِّبةٍ تشُدُّ من وحدة المسلمين وترُصُّ من صفوفهم وتُعين على إنصاف بعضِهم لبعضٍ، وتُقْنِعُ بأنَّ مظلَّةَ الإسلامِ والسُّنَّةِ أضْفَى من أن يَحرم منها بعضُنا بعضًا.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


والسلام مع الشكر ِلمُحَرِّرِ جريدة "المدينة"
بقلم الشيخ: محمد مفتاح بن صالح التجاني الإبراهيمي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رد العلامة محمد مفتاح على أحمد بن يحيى النجمي في مسائل في التصوف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مسائل كثر حولها النقاش و الجدل للسيد العلامة زين بن سميط العلوي الشافعي
» لقاء عالمي حول أدوار التصوف في ترسيخ المواطنة
» مسائل في منهج دراسة السيرة النبوية
» الإيمان و الإسلام لفضيلة العلامة حسين حلمي
» قراءة قرآنية متخشعة للمنشد أحمد أبو خاطر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى السادة المالكية :: ركن التأصيل العلمي :: التصوف و مدارسه-
انتقل الى: