إنما عرجت على هذه المسألة لما رأيت بعض الإخوان يلقي درسا في أحد المساجد يذكر أن من فعل شيئا من ذلك فهو آثم و استغربت كيف غفل عن ذكر قول الجمهور ومنهم المالكية في المسألة ، وهو خلل يقع فيه كثير من الوعاظ إذ يعتمدون على كتب ظاهرها الاستقلال بالنظر في الدليل و باطنها فقه حنبلي أو ظاهري صريح، فأقول:
يسن للمضحي أن لا يقلّم أظافره ولا يأخذ شيئا من شعره ، سواء شعر رأسه أو إبطه أو عانته أو أي مكان من جسمه عند دخول أول أيام ذي الحجة حتى يوم العيد، وهذا الأمر ليس بلازم حتمي أن لا يأخذ شعره ويقلّم أظافره بل هو مما يسن له ، يُندب له فقط خلافا لما قالته الحنابلة والظاهرية بالوجوب والإلزام لظاهر حديث أم سلمة – رضي الله عنها - وهو:
عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ))
وفي لفظ آخر: (( من كان له ذبح يذبحه فإذا أهلَّ هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي )) أخرجه مسلم .
قال أحمد بن حنبل والظاهرية بوجوب عدم أخذ الشعر والأظافر . وقد صرف الجمهور عن ظاهر الحديث لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ( كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم )
وفي لفظ ( كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي ثم قلدها بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أحله الله حتى نحر الهدي)
قال الجمهور : فدل ذلك على أن الأمر في حديث أم سلمة للاستحباب لا للوجوب .والسبب في عدم أخذ الشعر والأظفار هو أن يبق المضحي كامل الأجزاء للعتق من النار لا التشبه بالمحرمين بالحج كما توهم البعض ، وبهذا قال الجمهور.