قال البدر الزركشي رحمه الله في "البحر المحيط " :
( الإصرار على الصغائر حكمه حكم مرتكب الكبيرة الواحدة على المشهور . وقال أبو طالب القضاعي في كتاب " تحرير المقال في موازنة الأعمال " : إن الإصرار حكمه حكم ما أصر به عليه , فالإصرار على الصغيرة صغيرة . قال : وقد جرى على ألسنة الصوفية لا صغيرة مع الإصرار , وربما يروي حديثا , ولا يصح , والإصرار يكون باعتبارين :
أحدهما : حكمي وهو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها , فهذا حكمه حكم من كررها فعلا , بخلاف التائب منها , فلو ذهل من ذلك ولم يعزم على شيء فهذا هو الذي تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء والصلاة , والجمعة والصيام , كما دل عليه الأحاديث . لكن اختلف في هذا هل شرط التكفير عدم ملابسته لشيء من الكبائر أو لا يشترط ذلك ؟ على قولين , لأجل قوله صلى الله عليه وسلم : { الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر } , وحكى ابن عطية وغيره عن الجمهور الاشتراط لظاهر الحديث , واختار بعض المحققين أنه لا يشترط . قال : والشرط في الحديث بمعنى الاستثناء , والتقدير : مكفرات ما بينهن إلا الكبائر , وهذا يساعده مطلق الأحاديث المصرحة بالتكفير من غير شرط , وإن قلنا : إن المراد بالكبائر في الآية السابقة الكفر كما قال ابن فورك , فنحمل الحديث عليها , وتسقط الدلالة بها للقول الأول . والثاني : الإصرار بالفعل , ويحتاج إلى ضابط . قال ابن الرفعة : لم أظفر فيه بما يثلج الصدور , وقد عبر عنه بعضهم بالمداومة , وحينئذ هل تعتبر المداومة على نوع واحد من الصغائر أم الإكثار من الصغائر , سواء كانت من نوع واحد أو أنواع ؟ ويخرج من كلام الأصحاب عنه وجهان . قال الرافعي : ويوافق الثاني قول الجمهور : من تغلب معاصيه طاعته كأن يزور الشهادة . قال : وإذا قلنا به لم يضره المداومة على نوع واحد من الصغائر إذا غلبت الطاعات , وعلى الأول تضره . قال ابن الرفعة : وقضية كلامه أن مداومة النوع تضر على الوجهين , أما على الأول فظاهر , وأما على الثاني فلأنه في ضمن حكايته قال : إن الإكثار من النوع الواحد كالإكثار من الأنواع , وحينئذ يحسن معه التفصيل . نعم , يظهر أثرها فيما إذا أتى بأنواع من الصغائر , فإن قلنا : بالأول لم يضر , وإن قلنا بالثاني ضر .