ابن الخراط
عدد المساهمات : 23 نقاط : 40 تاريخ التسجيل : 21/11/2009
| موضوع: ترجمة الشيخ محمد الشاذلي النيفر بقلم أحد تلاميذه الثلاثاء نوفمبر 24 2009, 04:04 | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الترجمة وجدتها وهي بقلم أحد طلبة الشيخ محمد الشاذلي النيفر -رحمه الله-وهو الشيخ قيس آل مبارك الأحسائي :
أصيب العالم الإسلامي في 4/8/1418هـ بوفاة أحد صدور العلماء فيه وهوالعالم الجليل المحقق الفقيه البحاثة المؤرخ الأديب الشاعر المتفنن في جملة من العلوم العقلية و النقلية ، ألا وهو الشيخ محمد الشاذلي ابنالعلامة قاضي الجماعة بتونس الشيخ محمد الصادق النيفر الحسيني نسبة إلى سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه. نزح سلَفه آل النيفر من الأندلس مع الجالية التي ألجأها الأسبان إلىالهجرة سنة 1016هـ واستقروا بمدينة صفاقس ، ثم رحلوا منها إلى تونس حواليسنة 1120هـ واستقروا بها إلى اليوم. وقد أخبرني الشيخ رحمه الله تعالى- في آخر زيارةٍ لـه بداره العامرة بتونس قبل ثلاثة أسابيع من وفاته - أنه عندما زار باكستان لحضور أحد المؤتمرات ،التقى بأحد الساسة الأسبان وأظنه سفير إسبانيا بباكستان ، فلما رأى لقب ( النيفر ) مكتوباً على البطاقة المعلقة على ثوبه قال له: إن هذا اللقبموجود عندنا بإسبانيا بمقاطعة نفار ( NAVAR ) بالجزيرة الأندلسية . ولد الشيخ رحمه الله سنة 1911م بمدينة تونس في بيت علم و فضل وشرف ، ونشأفي رعاية والده أحد أعلام الزيتونيين ، فأحسن تربيته على القيم الإسلاميةالرفيعة والآداب العالية. ففي بيته تعلم مبادئ العلوم الشرعية واللغة العربية ، ثم التحق بالمدرسةالقرآنية ، وفي عام 1924م التحق بجامع الزيتونة لمواصلة دراسته الثانوية متدرجاً في مراحلها بنجاح مميز حتى أحرز شهادة ختم الدروس الثانوية سنة 1930م وهي شهادة تؤهل صاحبها للتدريس بجامع الزيتونة بصفة متطوِّع ، ولذلك تسمى شهادة التطويع وكان من جملة شيوخه بالزيتونة شيخ الإسلام محمد العزيزجعيط رحمه الله تعالى (ت 1937م) وقاضي الجماعة العلامة الشيخ محمد البشيرالنيفر رحمه الله تعالى (ت 1974م) وحصل على إجازة من العلامة الشهير شيخالإسلام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى (ت 1973م) وفي سنة 1934مباشر الشيخ رحمه الله تعالى التدريس بجامع الزيتونة والمعاهد التابعة لـه، ولم يزل كذلك حتى سنة 1990م حيث أقعده المرض ، وقد كانت دروسه عذبة لطيفة في إشاراتها فصيحة في عباراتها ، وكان رحمه الله تعالى لواسع علمه يأتي بالعجب العجاب لسامعيه ، فهو بحر علم يَعُبُّ عُبابه ويَـغبُّ ميزابه، وقد أكرمني الله بمشاهدة هدْيه وسماع كلامه وامتلأت عيني وأذني منه . وفي سنة 1936م شارك في تأسيس جمعية الزيتونيين التي أنشئت لإعداد النشرات، وتنظيم المحاضرات والاحتفالات بالمناسبات الدينية ، وقد تولى الشيخ رحمهالله تعالى خطة الكاتب العام لهذه الجمعية. وفي سنة 1937م ساهم في تأسيس الشبيبة الزيتونية التي ترمي إلى توحيد كلمة أبناء الجامع الأعظم . وفي سنة (1365هـ/1946م) أكرمه الله بالحج إلى بيت الله الحرام ، وكانتفرصة للقاء عدد من علماء المسلمين جمعهم هذا الموسم العظيم ، وفي هذهالمناسبة فكر الشيخ رحمه الله تعالى في دعوة حكومة المملكة العربيةالسعودية إلى حمل الجامعة العربية على الاشتغال بقضية الشمال الأفريقيبواسطة الشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى فزاره زيارة خاصة ، وحادثه في ذلك الشأن فقال الشيخ حسن : إن الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى عيَّن لي غداً موعداً للقائه ، فقال الشيخ محمد الشاذلي : فرجوته أن يبلِّغ ما رغبت من حمل الحكومة السعودية للجامعة العربية على النظر في قضية الشمال الإفريقي بجدِّية ، فواعدني بذلك وعيَّن لي أن آتي إليه ليخبرني بنتيجة لقائه فأتيته من الغد فأجابني بقبوله الرغبة من الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى . وفي سنة 1953م أسس الشيخ رحمه الله تعالى جريدة الزيتونة الأسبوعية واختص بتحرير افتتاحيتها ليكتب عن هموم الأمة والمطالبة بإصلاح الزيتونة والذبِّ عنها مما عرَّضها للإيقاف عن الصدور مرتين ، وفي الثالثة أوقفت نهائياً ،وذلك في سنة 1957م. كان الشيخ رحمه الله تعالى طيلة حياته مناضلاً شجاعاً يدفعه إيمانه بمايعتقد أن يقف مواقف الرجال في أحلك الفترات ، فكانت له مشاركات في الأحداثالتاريخية التي وقعت أثناء فترة الاستعمار ، فكان فاعلاً للأحداث صانعاًلها غير منفعل بها ، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يناله الابتلاء وذلك حينتولى إدارة المدارس الزيتونية لسكنى الطلبة فاستاءت منه السلطةالاستعمارية ، فتعرض بيته للتفتيش ، وألقي عليه القبض ثم وضع رهن الإقامةالجبرية . وبعد الاستقلال شارك الشيخ رحمه الله تعالى في الحياة السياسية حيث انتخبسنة 1959م نائباً بمجلس الأمة الأول وترأَّس الجلسات الافتتاحية في عدَّةدورات ،وكان محل إكبار الجميع لمواقفه الثابتة وشجاعته . غير أن كفاح الشيخ رحمه الله تعالى لم يشغله عن مهامه الدعوية والإرشادية والتعليمية ، فقد تولى الإمامة والخطابة بجامع باب الأقواس بتونس منذ سنة 1946م وظل داعياً إلى الله مرشداً وموجهاً آمرا وناهيا ، وكان لخطبه الأثرالكبير في نفوس المصلين فلم يترك الخطابة بهذا الجامع حتى أيامه الأخيرة. وفي سنة 1977م أنتخب عميداً للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين ، فأظهربراعة فائقة في حسن الإدارة بهمة عالية وعمل دؤوب ، فاجتمعت القلوب عليه فأعيد انتخابه مرة أخرى. وكان نشاطه رحمه الله تعالى موزعاً بين العمل الإداري والتدريس وإلقاءالمحاضرات خارج الكلية في المناسبات المتنوعة ، وقد تسلم عمادة الكلية ،وبها أربعمائة طالب فقط ، فارتفع العدد إلى أثني عشر مائة طالب وطالبة ،أغلبهم من تونس وفيهم طلاب من مختلف البلاد الإسلامية. وقد تولى الشيخ رحمه الله تعالى تجديد البرامج التعليمية ، بحيث أصبحتتتناسب مع المستوى العلمي للطلبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة بعد أن انقرضت طبقة الشباب الزيتوني . ثم إن الشيخ رحمه الله تعالى وسَّـع دائرة التعليم في الكلية وأنشأأقساماً جديدة أثرى بها الكلية ، ولم تكن الكلية يومها تسير وِفق قانونٍرسمي ينظم الدراسة بها ، فبادر إلى وضع هذا القانون ، واستصدر أمراً ينصعلى اعتبار الكلية الزيتونية مؤسسة جامعية ، تعنى بالدراسات والبحوثالإسلامية . وفي سنة 1400هـ أقام مهرجاناً علمياً كبيراً بمناسبة مرور ثلاثة عشر قرناًعلى تأسيس جامع الزيتونة أقدم جامعة عرفها العالم ، حيث ألقيت بحوث قيمة بهذه المناسبة . وقد أكرم الله الشيخ بأن حبَّب إليه العناية بالقرآن الكريم فأولاه عنايةخاصة ، حيث ترأس الجمعية القومية للمحافظة على القرآن الكريم قبل أكثر من خمس وعشرين سنة فكان يسعى في توفير الاعتمادات المالية لها من تونس ومنخارجها . فكان يطوف بنفسه للإشراف على الإملاءات الليلية التي تنظمها الجمعيات القرآنية بمختلف مساجد تونس ، وأنشأ إملاءات قرآنية صيفية صباحية لتلاميذالسنة الخامسة والسادسة من التعليم الابتدائي وكامل مراحل التعليم الثانوي، وكانت هذه الإملاءات تختتم بامتحان في الحفظ والتلاوة ، توزع فيهالجوائز للفائزين ، وقد نظم رحمه الله تعالى مباراة قومية سنوية لحفظ كتابالله تعالى ويقام لها حفل كبير ينتظم في العاصمة تونس خلال شهر رمضانالمعظم منذ تسع سنوات إلى اليوم . وكان رحمه الله تعالى على صلة قوية بمختلف أقطار العالم الإسلامي حيث يحرصعلى المشاركة في الملتقيات الإسلامية يشهد له بذلك أبحاثه ومداخلاتهالقيمة وكان محل إكبار وتقدير وإجلال ، فهو عضو المجلس التأسيسي لرابطةالعالم الإسلامي ومجمع الفقه التابع لها ، وقد شارك في أغلب ندواتها . أما جهوده العلمية ، فتتمثل في المصنفات التي نافت على العشرين بين تأليف وتحقيق . فمنها تفسير مدرسي لجزء عم وتبارك . ومنها شرح همزية الإمام البوصيري . ومنها حكم التجنس قال عنه: ( ذهبت فيه إلى أن الأمم الإسلامية إذا وقعالبعض منها تحت حكم الكفر لا يبارحون ديارهم ، لأن ذلك مؤد إلى إقرارالكفرة في ديارهم كما وقع في الأندلس) ومنها تقديم وتحقيق كتاب (مسامرات الظريف بحسن التعريف) للشيخ أبي عبدالله محمد بن عثمان السنوسي ، وهو كتاب ألّم بالحياة العلمية والأدبيةبتونس في أربعة أجزاء . ومنها تقديم وتحقيق أوَّلُ شرحٍ لصحيح مسلم وهوكتاب ( المُـعْـلِم بفوائدمسلم ) للإمام أبي عبد الله المازري رحمه الله تعالى في ثلاثة أجزاء ، وقدصدَّره بدراسة مستفيضة ظهر من خلالها عظيم قدْر الشيخ رحمه الله في الفقهوالحديث والعقائد والتاريخ . وله رحمه الله تعالى ما يزيد على خمسين بحثاً في شتى العلوم . فمنها أحاديث في فضل إفريقية ، ومنها عناية أهل المغرب بصحيح مسلم ، ومنهاتفتُّح الفقه الإسلامي على الحياة الإنسانية ، وله رحمه الله تعالى ديوانشعر في جزأين يدل على أنه شاعر من الطراز الأول . فيقول في مطلع قصيدة نبوية يخاطب حضرة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: أتتك القــوافي قد حداها نزوعها و أشرق في مـدح الجناب طلوعها أُنـزِّه شعـري أن أشــيد بغيركم أُعِزُّ القـوافي إنني لا أضيعـــها وللشيخ رحمه الله وَلَـعٌ شديد بجمع نوادر الكتب ، من مخطوط ومطبوع حتىبلغ ما لديه اثني عشر ألف كتاب مطبوع ، وثمانمائة مخطوط منها مالا يوجد فيغير هذه المكتبة . ومن نُـبْـلِ هذا الإمام وكرمه وفضله أن حرص على حفظ هذه الكتب وتسهيلالوصول إليها للباحثين فبنى من حُـرِّ مالِـهِ بناءً جميلاً وجعله بيتاًلهذه الكتب ، ثم استأجر من يقوم بترتيبها وفهرستها واستعان بالحاسب الآليفي ذلك ، وجعل لها من يقوم عليها تيسيراً للمطالعة فيها لمن شاء منالباحثين. وقد تم افتتاح هذه المكتبة في الثاني من جمادى الثاني من عام 1412هـ وأقيمفي ذلك حفل بهيج بحضور عدد كبير من رجال العلم والفكر والأدب. هذه ومضات يسيرة من سيرة هذا العلم المفرد وإن في حياته جوانب مضيئة أخرى، لو تركت للقلم مجالاً، رحم الله فقيد الأمة وجبر مصابها فيه .
قيــس بن محمد آل الشيخ مبــــارك أستاذ الفقه –جامعة الملك فيصل- الأحساء | |
|